اعلم أن الإنسان مُنقسم إلى سرٍ وعلن،وروحٍ وبدن،ولكل منهما مُنافيات ومُلائمات،مُهلكاتٍ ومُنجيات
وما يُلائم الجسد هي الصحة واللذات الجسمانية،وماينافيها الأمراض الجسمانية ومعالج هذه الأمراض الطب،
فكان كذلك للروح،مُلائِماتها هي فضائل الأخلاق ومنافياتها وآلامها هي رذائل الأخلاق،ومعالج هذه الآلام هو علم الأخلاق،وموضوع هذا العلم يتمحور حول أفعال الإنسان الإختيارية الصادرة عن نفسه ولذا وجب دراسة هذه النفس،فكان البدن مادي فانٍ،وكانت النفس مجردةً باقية،فأن اتصف بشرائف الصفات كان في البهجة والسعادة أبداً،وأن اتصف بعكسها كان في العذاب والشقاوة مُخلداً،وتأتي الإشارة إلى تجرد النفس عن البدن وأنها غيرهُ(أي غير مادية كالجسم)،فمنها،أن النفس تلتذُ بما لا يلتذ به الجسد بلذته في الأكل والشرب،بل بالمعارف الإلهية الحقيقية ولاتميل إلى اللذات الجسمانية بل وتتعذب من الإفراط في هذه اللذات،والعكس صحيح حيث أن بعض لذات هذه النفس تنافي لذات الجسد، كترك الشره في أول الأمر فإنه ينافي لذة الشبع الجسدية،وهذا أوضح دليل على أنها غير الجسم ولذاتها غير لذاته،ومنها أن القوى الجسمانية لا تكتسب العلوم إلا من طريق الحواس،وإذا لم يُدرك الشيء بها عجزت الحواس الباطنة أن تدركه،ولكن النفس قد تُدرِكُ ما لاتدركه الحواس،كالأمور المجردة والمعاني البسيطة،والضرورة العقلية قاضية بأنه لامدخلية لشيء من الحواس في إدراك شيٍ من ذلك،فعندما نقول أنه لا واسطةَ بين النقيضين أي لا واسطة بين الوجود والعدم بين الأنسان واللا إنسان،فهذا الحكم غير مأخوذ من مبادئ حسّية،أو عندما نرى أنها أي النفس حاكمة على الحس في صدقه وكذبه،فتُخطّئ البصر فيما يراه أصغر مما هو عليه واقعا أو العكس،وفيما يراه مكسورا وهو صحيح وغيرها،وحكم النفس هنا على ماتجلبه الحواس إنما يكون مسبوقا بالعلم الذي لا يكون مأخوذا من الحس،لان الحاكم على الشيء أعلى رتبةٌ منهُ فلا يكون علمهُ الذي هو مناط الحكم مأخوذا منه_أي من الحس_وأنها عالمة بذاتها وبكونها مدركة لمعقولاتها،ومنها أن الجسم وقواه يضعفان في أفعالهما والنفس تقوى في ادراكاتها وصفاتها كما في سن الكهولة فيقول أمير الحكمة علي ع (رأيُ الشيخِ أحبُ إليَّ من جَلَد=شجاعة الغُلام) أو يكونا قويين في أفعالهما والنفس ضعيفة فيها كما في سن الشباب،فلو كانت جسما لكانت تابعة لهما في الضعف والقوة فالنفس عند الكبر تتكامل والجسم يتآكل ويموت،ومنها ومنها..
فاذا كانت مجردة عن الجسم كان لِلذتها وتألمها بُعدان،نظريٌ،فتلتذ بالمعرفة وطلب الحقيقة بِنهمٍ لا حد له وتتألم من الجهل حتى وإن سكّنهُ الرضا بجهله فالوجع موجود،وعملي،فتلتذ بالتكامل والإصلاح وتتألم بالتناقص والهدم،وهذا مما يظهر في التوجع بعد ارتكاب الذنوب،والتلظي بتأنيب الضمير بعد ارتكاب قبائح الأفعال، وتجليهِ بالانكسار والحزن أو أتعس، كما في حالة التمرد على كل شيء.
والأخلاق عبارة عن مَلَكة للنفس،تصدر عنها الأفعال(الحسنة والسيئة)بسهولة دون احتياج إلى فكر وروية،أي صدور الأفعال على السجية دون ان تنظر فيها وهذا راجع إلى رسوخ المَلَكات التي تصدر عنها هذه الأفعال والمقصد من المَلَكة هي صفة راسخة في النفس،فوجب على كل عاقل اكتساب الملكات الحسنة وفضائل الأخلاق والتي هي الأواسط،إشارة الى الفضيلة،وهي وسط بين ذريلتين(إفراط وتفريط) وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
جامع السعادات|الشيخ محمد مهدي النراقي قدس،بتصرف